الأديب التونسي ميزوني بنَّاني
نظرة نحو أدب الطّفل ومواكبة التطوّر التكنولوجي الحديث.
سريعة سليم حديد ( سورية)
أدب الأطفال أدب هامّ جداً لأنه يؤسّس لإنشاء جيل جيّد سليم.. يبني شخصيّة الطّفل على القيم والمبادئ, وينمّي ثقافته, ويصقل بنيته.. لذلك يجب العمل, وبشكل جدّي على تطوير هذا الأدب ورعايته وفتح كلّ الأبواب للرّفع من مستواه في كلّ المجالات الأدبيّة وغيرها، والانطلاق نحو البلدان العربيّة للكشف عمّا وصل إليه هذا الأدب المهمّ من تطوّرات وحداثة .
ومن هنا جاء اهتمامنا بإجراء الحوار التّالي مع الأديب التونسي (ميزوني بناني).
س / لدينا في سورية أدباء في القصّة الطفليّة متميّزون جداً مثل: زكريا تامر, عبد الله عبد وعادل أبو شنب, وقمر كيلاني… وحديثاً لدينا كتَّاب كثر أيضاً. فماذا وصل إليك من نتائج هؤلاء, وما تقول فيه؟
ج/لهذه الأسماء الرّائدة في هذا الفنّ الأدبيّ (زكريا تامر, عبد الله عبد وعادل أبو شنب, وقمر كيلاني..) الفضل الكبير في الانتقال بقصّة الأطفال السّوريّة من الاتّجاه التّلقائيّ إلى الاتّجاه القصديّ ، خاصّة عبر صفحات مجلّة الأطفال السّورية أسامة ، وقد مهَّدت الطريق لجيل جديد من كتّاب قصص الأطفال في سوريا، قرأت لهم من خلال عدّة مجلاّت عربيّة للأطفال مثل مجلّة العربيّ الصّغير، ومجلة ماجد، ومجلّة وسام، وبعض منشورات اتّحاد الكتّاب العرب، أذكر منهم على سبيل الذّكر لا الحصر: مهنّد العاقوص، ومحاورتي: سريعة سليم حديد، وهي تجارب تتميّز بجمالية التّعبير، وملاءمة اللّغة لمستوى المتقبّل، وتضمّنها للمعلومات والقيم الّتي تفيد الطفل في حياته، وتنمّي عقله وتفكيره الإبداعيّ، إنّها الانتقال إلى مرحلة الإبداع والتفرّد بأسلوب وموضوعات جديدة غير مطروقة من قبل. وهذا خير دليل على التطوّر الكبير الّذي عرفته قصّة الأطفال في سوريا من عصر البدايات والروّاد إلى عصرنا هذا عصر الإبداع والتميّز..
س/ لكلّ أديب عالمه الخاصّ به يشكِّله لنفسه كي يحرّر ما في داخله من إبداعات مختلفة, فيعرف كيف يلتقط الفكرة وماذا سيبني عليها. فما هي أجواؤك الخاصّة في الكتابة, وكيف تستقي أفكارك؟
ج /عالمي الخاصّ يقوم على اعتبار طفل هذا العصر غير طفل الزّمن الّذي ضبط فيها علم نفس النمو تطوّر مرحلة الطّفولة و السّلوكات الّتي كان يتوقّع أن تصدر عن الأطفال في كلّ فترة عمريّة. أقول هذا لأنّ لدينا منذ سنوات في مختلف الدول العربيّة والإسلاميّة أصنافاً مختلفة من الأطفال (أطفال الحروب، أطفال الحجارة، أطفال الملاجئ، الأطفال ذوو الاحتياجات الخصوصيّة، الطّفل المبدع، الطفل المتفوّق، الطفل ذو الذكاء الاصطناعيّ، الطفل الألكتروني/ الرّقمي/ طفل الغرف الزّرقاء: الفيسبوك؛ أثبتت سلوكاتهم وخطاباتهم أنّهم يكبرون – وربّما بصفة غير طبيعيّة- قبل الأوان بعيداً عن تلك المراحل العمرية الفرعيّة التي وضعها علم نفس النمو، لذلك عملت على ابتداع قصص أفكارها مستقاة من العالم الجديد، تعمل على إثارة الدّهشة في نفس هذا الطفل الخارج عن التّصنيف، وسط هذا العالم المليء بالغرائب والاكتشافات، كما أعمل على تضمين هذه القصص مجموعة من القيم والمهارات الحياتيّة من بينها القيم المشجّعة للطفل على أن يكون مواطناً صغيراً، يحسّ بمشاكل مجتمعه ومحيطه، ويتعاون مع غيره على حلّها ضمن جمعيات ومنظمات محليّة/ جهويّة/ وطنيّة . فقصص الأطفال عندي تعمل على إمتاع الطفل وإفادته، وشحذ التّفكير النّقدي والإبداعيّ لديه، وتنشئته اجتماعيّاً، وتجذيره في هويّته العربيّة الإسلاميّة.
س / النّقد يصقل الأدب ويجعله مرناً شفّافاً قابلاً للحياة على مرِّ العصور, هذا مما يدفع بالأديب إلى الاهتمام أكثر بما يكتب, ويحسب ألف حساب لكل كلمة وجملة. فما هو حال النقد لديكم الآن؟
ج /علاقة النقد بمدوّنة أدب الطفل في تونس وغيرها من البلدان العربيّة لا تزال ضعيفة ضعفاً مريباً. ويعود ذلك حسب رأيي إلى بعض الأحكام المسبقة التي لاتزال تحفّ بهذا الفنّ النّبيل، أذكر منها :
الاعتقاد بأنّ الكتابة للطّفل أو نقدها هيّ حطّ من مكانة الكاتب أو النّاقد ، وتهميش لمسيرته ،ونزول من قسم ” كاتب / ناقد للكبار” إلى قسم أدنى ” كاتب / ناقد للصغار ” وهو اعتقاد خاطئ نابع من “مشاعر ترفّع نسبة هامّة من” الكتّاب/ النقّاد “الكبار” عن هذا الفن الرّائع، يحدث ذلك في غياب أدب الأطفال كاختصاص أو كمادّة للتّدريس في معظم الجامعات العربيّة، وعدم توفّر هيئات وطنيّة لثقافة الطفل، ودور نشر وطنيّة لإرساء أسس صناعة الكتاب الموجّه للأطفال وتيسير توزيعه وتصديره وتوريده، وتأسيس حركة نقديّة فعّالة تزيل عن هذا الفنّ الأدبيّ الغبن الذي ما زال يعيش فيه في معظم الدول العربيّة.
س /كما هو معروف في كتب الأطفال يستدعي طباعتها التّعاون مع الفنّانين التّشكيليين, هذا ممّا يزيد من قيم القصّة المعنويّة, كما أنّه وسيلة ترغيب للطّفل حتّى يقدم على قراءة القصة. ومن هذا الباب نسأل: ما ملاحظاتك حول هذا الجانب الهام من العمل المشترك ما بين الأديب والفنان التشكيلي بشكل عام؟
س / طبيعة عمليّ ( متفقّد عام للتّعليم الابتدائيّ) وأنشطتي الثّقافيّة ( رئيس اتّحاد الكتّاب التّونسيين فرع القصرين طيلة عشرين سنة بداية من سنة 1997 ، وكاتب، وناشط ثقافيّ، وصاحب مدّونة)، منحتني فرصاً كثيرة لممارسة العمل التشاركيّ وقناعاتي الخاصّة بحقوق الإبداع، لذلك سعيت في السّنوات الأخيرة وخاصّة في مجموعتي القصصيتين الموجهتين للأطفال ( تراب الوطن – صورة ليست كالصّور) إلى تنظيم علاقة : كاتب/رسام/ مصمّم / ناشر، لأنّها علاقة ذات أربعة أطراف، مترابطة تعمل على تأمين صناعة الكتاب حتى يكون العمل جاذبا للطّفل الجديد الخارج – كما أسلفت- عن تصنيفات علم نفس نمو الطّفل القديمة.. هذا وعملت على تمكين الطفل من تقييم صناعة الكتاب شكلا ومضمونا من خلال شبكة تقييم لجودة المضمون والرّسوم والتّصميم والطّباعة.. لكنّ لا تزال هناك بعض الصّعوبات في طريق إرساء ثقافة العمل المشترك واحترام الحقوق، فحين تطلب من النّاشر وضع اسم الرّسّام على الغلاف، يطلب منك وثيقة من إمضاء الرسّام تفيد أن هذا الأخير قد باع لك حقوق الرّسومات التي سيتضمّنها الكتاب المطبوع، فتكون ردّة فعل بعض الرسّامين متّسمة بالرّفض أو المماطلة.
س / مع تطوّر الحياة والتقدّم العلميّ والتّكنولوجيّ والثّقافيّ يتطوَّر الأدب ليصبح مواكباً للعصر, فهل واكب الأدب الطّفليّ هذا التطوّر بشكل عام, وأين تجلَّى هذا؟
ج / من الطّبيعيّ أن يواكب الكتاب عامّة هذا التطوّر المشهود في عالم تكنولوجيات المعلومات والاتّصال، حيث ظهرت بعض القصص المسموعة والمقروءة، ومجلاّت الأطفال الإلكترونية، والمواقع الأدبيّة الخاصّة بالطّفل، ولقاءات الأطفال بأدباء الأطفال عن بعد عبر تقنية “السكايب” كما عرفت كتب الطفل تطوّراً من حيث صناعة الكتاب، إذ يمكننا اليوم ملاحظة مدى تطوّر المضمون والرّسوم والتّصاميم في الكتب التي تنشرها بعض دور النشر العربيّة، نضيف إلى ذلك أمراً هاماً هو ظهور معايير عربي 21 المبسّطة لتصنيف كتب أدب الأطفال العربيّ, وذلك ضمن مؤسّسة الفكر العربي، وهو إجراء كبير ينظّم حركة تأليف كتب الطّفل، ونشرها، وفق معايير متّفق عليها عربيّاً وعالميّاً. لكن تبقى المشكلة الأساسيّة قائمة بقوّة وهي ضعف إقبال أطفالنا على القراءة والمطالعة.
س / لكلّ أدب أبواب تفتح أمامه, فما هي الأبواب التي تفتح للأدب الطفلي في تونس؟
ج / ثمّة أبواب فتحتها بعض المنظمات والجمعيّات المدنيّة في تونس، حيث أثمرت عدّة مسابقات محلية ووطنية وعربيّة مثل :
“جائزة مصطفى عزّوز لأدب الطفل” التي بلغت هذه السّنة دورتها السّابعة، معرض كتاب الطّفل بصفاقس، مهرجانات مدرسيّة للكتاب، مهرجانات التّرغيب في المطالعة، ملتقيات حول أدب الطّفل، أمّا مجهود الدّولة فما زال بنقصه السّعي الجادّ إلى تنظيم قطاع النّشر والتّوزيع في مجال كتاب الطفل، وتأسيس دار نشر وطنيّة خاصّة بهذا الفنّ الأدبيّ. وجعل أدب الطّفل مادّة تدرّس في الجامعة، وبعث برامج تلفزيّة تعنى بثقافة الطّفل، وإصدار مجلاّت طفليّة بعد أن توقّفت جلّ مجلاّت الصّغار عن الصّدور منذ سنوات، وتأسيس هيئة وطنيّة لأدب الطّفل، وتنظيم ورشات تكوين لفائدة أدباء الطّفل والرسّامين والنّاشرين لضمان صناعة أفضل لكتاب للطّفل..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*ميزوني بنَّاني: متفقّد عام للمدارس الابتدائيّة ، من مؤسّسي اتّحاد الكتّاب التّونسيّين فرع القصرين منذ 20عاماً, ورئيسه السّابق، ينظم الشّعر، يكتب القصّة والرّواية والمقالة والدّراسات النّقديّة والبحوث التّربويّة..
*باحث في الأدب الموجّه للأطفال، وله عدّة تجارب في التّدريب والتّنشيط:
تجربة في تدريب الأطفال على المناظرة.
*تجربة في ورش تدريب الصّغار على كتابة قصص الأطفال في المكتبات والنوادي الثقافية ومعارض الكتب والمدارس و مهرجان الشّارقة القرائيّ للطّفل.
*تجربة في تدريب الأولياء على ترغيب أطفالهم في مطالعة القصّة..
تجربة في ورش تدريب المنشّطين في معاهد التنشيط الثّقافي والمؤسّسات التّربويّة على تنشيط حصص الترغيب في المطالعة وسرد الحكايات..
* نشر قصص للأطفال في أهمّ المجلاّت والصحف العربية للصّغار : العربيّ الصغير/ الكويت، مجلّة كونا الصّغير/ الكويت، صفحة أبنائي الصغار، مجلّة طيارة في ورق/ سورية، مجلّة وسام / الأردن، مجلّة الحياة للأطفال / فلسطين.